تسهيل منح التأشيرات للعراقيين ضرورة لتقليل ضغط الهجرة

8/25/2025

الحصول على تأشيرة سياحية للمواطن العراقي أصبح اليوم مساراً شاقاً مليئاً بالعقبات. فمعظم الدول تفرض إجراءات طويلة قد تستمر لأشهر وتكلف مئات الدولارات، حتى لو كان السفر لا يتجاوز أسبوعاً واحداً. هذه الصعوبة دفعت كثيراً من العراقيين، بمختلف انتماءاتهم، إلى التفكير بالحصول على جنسية ثانية تتيح لهم دخول عشرات الدول من دون الحاجة إلى تأشيرة سياحية. هذه الجنسية أو الإقامة الطويلة قد تتحقق عبر الاستثمار، لكنها في الغالب تتحقق من خلال الهجرة. كثيرون يقنعون أنفسهم بأن الهجرة ستكون "لبضع سنوات فقط"، متجاهلين الآثار العميقة لمثل هذا القرار على حياتهم. وهكذا ندخل في حلقة مفرغة: كلما ازدادت قيود السفر، ارتفعت معدلات الهجرة، وكلما زادت الهجرة تشددت شروط الحصول على التأشيرات، مما يغذي موجات جديدة من الرحيل.

اليوم، عند التقديم للحصول على تأشيرة إلى تركيا أو الولايات المتحدة أو إحدى دول شنغن، يُطلب من العراقي أن يحجز التذكرة والفندق مسبقاً، ويُبرز شهادة من جهة العمل، وكشفاً من البنك يثبت دخله، وتأميناً صحياً، إضافة إلى إثبات أنه لا يشكل "خطراً" بالتحول إلى مهاجر بدلاً من سائح. القنصليات غارقة بالطلبات وغالباً ما توكل إدارة الملفات إلى شركات خاصة تفرض رسوماً باهظة، وتقدم خدمات "مميزة" لا فائدة حقيقية منها سوى رفع التكلفة.

بالمقارنة، يرى العراقيون كيف يسافر مواطنو دول كثيرة أخرى بحرية تامة ومن دون تأشيرات إلى وجهات تبقى بعيدة المنال بالنسبة لهم. ويزداد شعور الإحباط حين تلاحظ العائلات سهولة تنقّل أقاربهم الذين هاجروا في الماضي وأصبحوا اليوم سويديين أو ألمان أو أمريكيين أو أستراليين، وكيف يجوبون العالم بلا قيود. أما الذي بقي في العراق فيدرك بوضوح حجم الفارق، ويشعر بمرارة الظلم في هذا التمييز.

بدلاً من استمرار سياسة التضييق على منح التأشيرات السياحية للعراقيين، سيكون من المنطقي تسهيلها، مع وضع ضمانات واضحة ضد نية الهجرة الدائمة. فالمشكلة الحقيقية ليست في السياحة بحد ذاتها، بل في القلق من تحول السائح إلى مهاجر. التوازن بين هذين الاعتبارين ممكن ومطلوب.

وقد ظهرت بالفعل بوادر تغيير. فاليونان افتتحت مؤخراً خطاً مباشراً بين أثينا وأربيل بهدف تشجيع السياحة العراقية. المفارقة واضحة. فالسائح العراقي يمتلك في العادة قدرة شرائية كبيرة، وغالباً ما ينفق بسخاء أثناء سفره إلى الخارج. النتيجة جاءت سريعة: القنصلية اليونانية تتلقى أعداداً هائلة من الطلبات، ومدة الانتظار للحصول على جواب تجاوزت الشهر. وهذا يختلف تماماً عمّا كان عليه الحال في سبعينيات القرن الماضي، حين كانت جيل والدي يستطيع الدخول إلى سفارة دولة أوروبية في بغداد والخروج في اليوم نفسه وهو يحمل التأشيرة بيده.

في ظل الأزمات الاقتصادية التي تمر بها الدول الغربية، وخاصة الأوروبية، ومع تصاعد النزعات المناهضة للهجرة، قد يكون من الحكمة البحث عن حلول واقعية تجاه العراقيين. تسهيل إجراءات التأشيرة يمكن أن يخلق دائرة إيجابية: حرية أكبر في السفر، تراجع الإحساس بالتهميش، انخفاض الرغبة في الهجرة، تقليل هجرة العقول، دعم للتنمية المحلية، وفي النهاية استقرار أكبر للبلاد. هذا بالضبط ما يصبو إليه الشعب العراقي، وهو في مصلحة الدول المستقبلة كذلك.