استعادة معنى الواجب تجاه المجتمع في عنكاوا

8/25/2025

بعد انتهاء الحصار في عام 2003 وفتح الاقتصاد العراقي، شهدت شرائح واسعة من السكان موجة من الثراء الشخصي، بما في ذلك في عنكاوا. وقد حدث ذلك رغم هشاشة الوضع الأمني وعدم الاستقرار السياسي الذي كان يخيّم على البلاد. بالنسبة لكثيرين ارتبطت تلك المرحلة بالسعي وراء المكاسب المادية وتوسيع المصالح الفردية. لكن التحول لم يكن اقتصاديًا فقط، بل كان أيضًا اجتماعيًا وثقافيًا. ففي عنكاوا، كما في أماكن أخرى، انتقل الناس تدريجيًا من أسلوب حياة تقليدي، شمولي، ينظر إلى المجتمع كجسد واحد لا يكتمل إلا بأعضائه، إلى أسلوب أكثر فردية، بل وحتى أنانية أحيانًا.

خلال هذا التحول تغيّر معنى الواجب نفسه. فقد أصبح الاهتمام بالمال والمصلحة الشخصية يسبق حاجة الجماعة. أما روح التضحية والعطاء، التي كانت تُعتبر فضيلة، فقد صارت تُنظر إليها كضعف، بل يُسخر منها أحيانًا. وفي الوقت ذاته تغيّر المشهد المحلي. في عنكاوا مثلاً أصبح الذين يلهثون وراء مصالحهم الخاصة بارزين ومرئيين إلى درجة دفعت الآخرين، حتى مَن كانوا مترددين، إلى تقليدهم. بدا العمل من أجل المجتمع وكأنه جهد ضائع لا جدوى منه، في وقت يُكافأ فيه الانتهازي بينما يُستهزأ بمن يهب وقته للآخرين.

وقد ترك هذا الواقع أثرًا عميقًا على الأجيال الشابة. فكثيرًا ما ألتقي شبابًا ورجالاً ونساءً يملؤهم الحماس لفكرة القيام بمبادرة تخدم عنكاوا. عيونهم تتوهج حين يتحدثون عنها، لكن حماسهم يخبو سريعًا لأنهم أقنعوا أنفسهم بأن لا شيء سيتغيّر. يشعرون أن أي جهد مصيره الفشل. ومع ذلك فإن أفكارهم غنية وبسيطة في آن واحد. حدث اجتماعي للأطفال، دورة تدريبية، نشاط رياضي, كلها مبادرات يسهل تنظيمها وتنجح دون موارد كبيرة، ودون مصالح شخصية، وبمجرد شغف حقيقي بخدمة المجتمع. وهي بعيدة كل البعد عن السياسة، بل تنتمي إلى المجال الاجتماعي والإنساني. مثل هذه المشاريع موجودة بالفعل، لكنها غالبًا ما تنطلق فقط تحت رعاية سلطة يُنظر إليها كشرعية أو قوية، كالكنيسة أو حزب سياسي أو رجل أعمال مرموق.

التحوّل المنشود يبدأ حين نعيد لأنفسنا معنى خدمة المجتمع، ونحوّله من استثناء نادر إلى سلوك طبيعي وواجب يومي. يجب أن يشعر كل شاب في عنكاوا بأن له رسالة تجاه مدينته وأكثر. هذا الواجب يتجاوز الانتماءات الدينية والسياسية، فهي تبقى من شؤون الضمير الفردي ولا ينبغي أن تعيق المسؤولية المشتركة عن المكان الذي نعيش فيه جميعًا.

علينا أن ندرك أن المصلحة العامة لا تعني مصلحة الآخرين على حسابنا نحن. على العكس، إنها مشاركة كل فرد في بناء خير مشترك يعود بالنفع على الجميع. عندما نقوي مجتمعنا فإننا نقوي حياتنا ومستقبل عائلاتنا أيضًا. لقد حان الوقت لاستعادة حافزنا، واسترجاع ثقتنا بقدرتنا على الفعل، ولنجعل عنكاوا مكانًا أفضل للحياة وبناء المستقبل، كلٌّ من موقعه وبقدر طاقته. فهذا هو الطريق الصحيح.